ادعمنا

المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) - Economic Community of West African States (ECOWAS)

لطالما شهدت القارة الإفريقية العديد من النزاعات الداخلية و الصراعات الدولية على مر العصور نظرا للتنوع الاثني والعرقي وأهمية الموقع الجيواستراتيجي الذي تتمتع به، مما جعلها مركز اهتمام للعديد من القوى الكبرى وأدى إلى تعاظم الأطماع الاستعمارية حولها. ولعل من أبرز الصراعات الداخلية التي تعرضت لها القارة الإفريقية هي في منطقة الساحل الإفريقي التي تعتبر من أهم المجالات الجيوسياسية في العالم مما جعلها منطقة تنافسية وهدف للتدخل الخارجي، وأدى بها إلى حالة من الانهيار والانفلات الأمني.

ونتيجة لذلك أضحت الحاجـة إلـى المنظمـات الإقليمية لحـل وتسـوية الصراعـات فـي أقاليمهـا، ضـرورة حتمية بعــد نهايــة الحــرب البــاردة؛ ذلــك لأن قُــرب هـذه المنظمــات مــن منطقــة الصراعــات، خاصــة وفهمهـا لتفاعلاتها، يجعلهـا أقـدر علـى تبيّـن أسـباب هـذه الصراعـات، وسـبل علاجهـا، بالإضافة إلـى توافـر المصلحـة لديهـا فـي حـل هـذه الصراعـات، وعـدم السـماح بانتشـارها؛ وتعــد المجموعة الاقتصادية لــدول غــرب إفريقيــا إحــدى هــذه المنظمــات التي أنشـئت فـي عـام 1975م كمنظمـة إقليميـة فرعيـة (دون الإقليمية) لدفـع التكامـل الاقتصادي لدولهـا الأعضاء الخمـس عشـرة، إلا أنهـا تحولـت، وبشـكل تدريجـي، وتحـت ضغط الحـوادث السياسـية إلـى منظمـة مسـؤولة عـن إيجـاد الحلـول للصراعـات المسـلحة، وغيرهـا مـن الأزمات السياسـية فـي فضائهـا الإقليمي.

 

نشأة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس):

نشأت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المعروفة اختصارا باسم إيكواس The Economic Community of West Africa States (ECOWAS) بموجب اتفاقية "لاجوس" التي وقعتها خمس عشرة دولة في 28 مايو 1975م، لتحقيق التكامل بين دول الإقليم خاصة في ظل فشل التجارب التكاملية السابقة، فضلا عن وجود بيئة عالمية مؤيدة لفكرة التكتلات الاقتصادية، وقد دخلت حيز التنفيذ في يوليو من نفس العام، وتم التصديق على البروتوكولات الخاصة بالاتفاقية في أول اجتماع لهيئة رؤساء الدول والحكومات في "لومي Lomé" (توغو) والذي انعقد خلال الفترة 4-5 نوفمبر 1976م، وتضم الجماعة في عضويتها وفقا لاتفاقية "لاجوس" خمس عشرة دولة إفريقية، تسع منها فرانكفونية هي (ساحل العاج، بنين، غينيا، بوركينافاسو، مالي، موريتانيا، النيجر، السنغال، توغو)، وخمس دول أنجلوفونية هي (نيجيريا- ليبيريا- سيراليون- غانا- جامبيا)، ثم دولة ليزوفونية هي (غينيا بيساو)، ثم انضمت دولة ليزوفونية أخرى للجماعة عام 1977م و هي (الرأس الأخضر)، ليصبح بذلك عدد الدول الأعضاء ست عشرة دولة، ثم تراجع العدد مرة أخرى إلى خمس عشرة دولة بعد انسحاب موريتانيا منها في ديسمبر 1999م، وتكاد تكون العضوية بها قاصرة على دول الإقليم.

 

pastedGraphic.png

خريطة رقم 01: تبين الدول الأعضاء في الإيكواس 

المصدر: Site of West African Health Organization, ECOWAS Member States  

 

كما تعددت أسباب نشأت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بين أسباب اقتصادية و سياسية، نذكر أبرزها:

١- الأسباب الاقتصادية للنشأة:

تنقسم هذه الأسباب بدورها إلى أسباب خاصة بفشل التجارب التكاملية الجزئية في الإقليم من ناحية، وأسباب تتعلق بالبيئة الدولية المؤيدة لفكرة التكتلات الإقليمية من ناحية ثانية.

أ- فشل التجارب التكاملية الجزئية في الإقليم:

شهد إقليم غرب إفريقيا العديد من التجارب ‎)‎التكاملية - الجزئية) التي بدأت منذ استقلال دُوله أواخر الخمسينات وأوائل ستينات القرن الماضي، ولقد كان لسياسات الدول الاستعمارية السابقة، خاصة فرنسا وبريطانيا، دور مهم في هذا الشأن. فبالنسبة لفرنسا فقد عملت على إيجاد روابط وطيدة بينها وبين الدول المستعمرة السابقة، بحيث يدور اقتصاد هذه الدول في فلك الاقتصاد الفرنسي Economic Closed Circuit ؛ لذا قامت بتشجيع التجارب التكاملية بين الدول الفرانكوفونية بعضها البعض.

أما بريطانيا، فقد ساهم نمط الإدارة غير المباشر لمستعمراتها في جعل هذه الدول (الأنجلوفونية) أكثر تحررا من هذه القيود، بحيث دخلت في علاقات تكاملية مع بعضها البعض، أو مع الدول الفرانكوفونية، ولقد كانت غانا سباقة في ذلك، وتلتها نيجيريا التي أخذت على عاتقها فكرة إقامة تجمع اقتصادي يضم كل دول الإقليم.

ولقد واجهت العملية التكاملية في إطار الاتحاد العديد من الصعوبات، أبرزها التباين في مستويات النمو والتنمية بين الدول الأعضاء والمشكلات السياسية والأيدولوجية بين دول الاتحاد، وأيضا السياسات العملية في تنسيق سياسات الاستثمار وإعادة توزيع المكاسب الناتجة عنه.

وقد حاولت دول الاتحاد التغلب على هذه العقبات، خاصة بعد شكوى الدول الحبيسة بــه (مالي- بوركينافاسو) من استغلال الدول الساحلية لها، مما دفع الدول الأعضاء لضرورة البحث عن أسس جديدة لعملها المشترك، وأسفر ذلك عن إعلانها في ماي 1967م إقامة الاتحاد الجمركي لدول غرب إفريقيا Union Douanier De L’Etat Africain occidental  والذي عرف اختصارا باسم (UDEAO)، والذي ضم إضافة لدول (UDAO)  كلا من توغو والنيجر، إلا أن النجاحات التي حققها الاتحاد كانت محدودة بسبب تطبيق كل دولة لسياسة جمركية مستقلة عن الأخرى، وعندما تمت مراجعته عام 1970م لوحظ أن الدول الصناعية به كالسنغال وساحل العاج هي التي تستفيد من تخفيض التعريفة الجمركية؛ لذا عارضت دول الاتحاد في اجتماعها بباماكو عاصمة مالي (ماي 1970م) أي توسيع في صلاحياته، الأمر الذي بدا كمؤشر على فشل الاتحاد، وكان ذلك دافعا للبحث في إقامة اتحاد جديد يتلافى عيوب الاتحاد السابق.

وبالفعل أعلن السكرتير العام للاتحاد في 11 مارس 1972م انتهاء عمل الاتحاد واستبداله بمنظمة جديدة هي الجماعة الاقتصادية لإفريقيا الغربية La Communauté Economique de l'Afrique de l'Ouest والتي عرفت اختصارا باسم (CEAO)، وتم توقيع الاتفاق المبدئي لها في باماكو (مالي) في 3 يونيو 1973م وظهرت في شكلها النهائي بعد توقيع معاهدة أبيدجان (ساحل العاج) في يناير 1974م. وتضم الدول الفرانكوفونية التسع في الإقليم، حيث إن سبعا منها تتمتع بالعضوية الكاملة وهي (السنغال- ساحل العاج- مالي- موريتانيا- النيجر- بنين- بوركينافاسو) بالإضافة إلى كل من غينيا وتوغو كمراقبين.

غير أن معظم التجارب التي تمت خلال عقد الستينات قد فشلت لعدة أسباب، منها:

- أن عملية التكامل الإقليمي تحتاج أولا إلى استقلال الدول الداخلة فيها، وهذا لم يتحقق بصورة كبيرة بسبب ارتباط اقتصاديات دول الإقليم – خاصة الدول الفرانكوفونية - بالدول المستعمرة.

- أن ارتباط الدول الفرانكفونية بفرنسا، ومن ثم بالجماعة الاقتصادية الأوربية، لم يساهم فقط في استمرار هيمنة فرنسا عليها، وإنما ساهم كذلك في عدم وجود رغبة لدى هذه الدول في الاندماج مع الدول الإفريقية الأخرى خاصة الأنجلوفونية.

- غياب الإرادة السياسية، الأمر الذي يجعل من الصعب تحقيق التكامل الاقتصادي، فضلا عن غياب الاحترام المتبادل وثقافة التسامح السياسي بين دول الإقليم بعضها البعض.

- عدم الاستقرار السياسي، وهو شرط مهم لتحقيق التكامل الاقتصادي؛ إذ أن معظم دول الإقليم خاصة في الفترة من 1966م- 1969م شهدت حالة من عدم الاستقرار السياسي، تمثلت في تعرضها للعديد من الانقلابات مما كان له أثر سيئ على عملية التكامل مثل توغو (انقلاب 1963م، يناير 1967م)، وبنين (أكتوبر 63، نوفمبر 65، ديسمبر 65، ديسمبر 67، ديسمبر 69‏)‏، وبوركينا فاسو (يناير 66)، ونيجيريا (يناير 66، يوليو 66)، وغانا (فبراير 66) وسيراليون ‏(‏مارس 67 أبريل 68)، ومالي (65 نوفمبر 68).

ب- البيئة الدولية المؤيدة لفكرة التكتلات الإقليمية:

لعبت الجهود الدولية دورا مهما أيضا في نشأة الجماعة، فخلال حقبة الستينات من القرن الماضي بدأت الأمم المتحدة إطلاق دعوتها بشأن إنشاء جماعات اقتصادية إقليمية في إفريقيا بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية، حيث قامت بتقسيم القارة إلى أربعة أقاليم رئيسية (شمال - شرق - جنوب - غرب)، وقد عقد اجتماعان في هذا الشأن لبحث إمكانية قيام أحد أشكال التعاون الاقتصادي في غرب إفريقيا:

الأول: في نيامي عاصمة النيجر (أكتوبر 1966م) وحضره ممثلو أربع عشرة دولة، وذلك لبحث المشروع الذي أعدته اللجنة الاقتصادية الخاصة بإفريقيا التابعة للأمم المتحدة (ECA)، والذي يتبنى هدف تحقيق التنمية الاقتصادية في الإقليم عن طريق تشجيع جهود التعاون الاقتصادي في كافة المجالات.

الثاني: في أكرا عاصمة غانا (1967م) لنفس الأمر، ثم تلا ذلك عقد اجتماع ثالث في داكار عاصمة السنغال (نوفمبر 1967م) من أجل وضع المقترحات اللازمة لقمة دول الإقليم والتي تقرر عقدها في "مونروفيا " عاصمة ليبيريا ‏(‏إبريل 1968م)، لكن لم يحضر هذه القمة سوى تسع دول فقط، وتم توقيع إنشاء هذه الجماعة، إلا أن اندلاع الحرب الأهلية في نيجيريا عام 1967م أدى إلى توقف هذه المبادرات.

٢- الأسباب السياسية للنشأة:

تنقسم هذه الأسباب بدورها إلى أسباب تتعلق بفكر قادة الدول المؤسسة للجماعة، ورؤيتهم لفكرة الوحدة الإقليمية الفرعية كخطوة أولى نحو الوحدة الإفريقية الكاملة Pan Africanism من ناحية، والرؤية السياسية للقيادة النيجيرية بشأن التكامل الإقليمي من ناحية ثانية، على اعتبار أن نيجيريا لعبت دورا محوريا في إقامة الجماعة.

أ- الرؤية السياسية لقادة الجماعة:

بالرغم من أن الجماعة منظمة اقتصادية بالأساس - كما يتضح من معاهدة " لاجوس " المنشئة لها - إلا أن الجانب السياسي لم يغب عن فكر قادتها؛ نظرا للترابط بين الشق السياسي والاقتصادي، وأهمية الأول لتحقيق التقدم والتكامل الاقتصادي، تماما كما أن الشق السياسي والاقتصادي يرتبط بالشق الأمني، على اعتبار أن الاستقرار الأمني مهم لتحقيق الاستقرار السياسي ومن ثم التكامل الاقتصادي؛ وقد تأثر قادة الجماعة أيضا بالفكر الوحدوي، خاصة فكرة الوحدة الإفريقية. وكان من أبرز هؤلاء رئيس غانا آنذاك كوامي نكروما Kwame Nkrumah الذي كان لديه قناعات بأن تحقيق الوحدة الإفريقية على مستوى القارة ككل يجب أن يتم على مراحل (إقليمية)؛ ومن هنا برزت فكرة نشأة الجماعة، وقد عمل "نكروما" على تحقيق هذه الوحدة - على مستوى أقل - عندما اتحد مع غينيا عام 1958م، هذا الاتحاد الذي كان النواة لنشأة اتحاد الدول الإفريقية بعد ذلك، وهذا ما فسر أسباب محاولات دول الجماعة إقامة كيانات اقتصادية في الإقليم، إلى أن تم الاتفاق على إقامة الجماعة ككيان يهدف لتحقيق الوحدة السياسية وليس الاقتصادية فحسب لدول الإقليم. ومن هنا جاء في معاهدة "لاجوس" أن إيجاد التجمع المتجانس سوف يؤدي إلى وحدة غرب إفريقيا.

ب- الرؤية السياسية للقيادة النيجيرية بشأن التكامل الإقليمي:

لقد لعبت نيجيريا دورا مهما في نشأة الجماعة، ويرجع ذلك إلى الفكر السائد لدى النظم النيجيرية المتعاقبة منذ الاستقلال، والذي يرى أن نيجيريا مؤهلة لأن تقود عملية التكامل في الإقليم، وهذا ما ظهر بوضوح في خطة التنمية الوطنية الأولى للبلاد من (1962 – 1968م)، والتي أوضحت أهمية أن تكون نيجيريا القلب الصناعي للسوق الإفريقية المشتركة  African Community Market

وبعد انتهاء الحرب الأهلية بها (حرب بيافرا) جعلت إدارة الجنرال يعقوب جوون Yakubu Gown التكامل الإقليمي في مقدمة أولويات سياستها الخارجية، ومن ثم السعي حول رؤى بعض الزعماء الأفارقة لفكرة الوحدة الإفريقية لإنشاء المجموعة، لعدة أسباب وهي:

- الحد من الدور الفرنسي في الإقليم، والذي كان له انعكاساته السيئة على نيجيريا ذاتها خلال حرب "بيافرا"، عبر الدعم الفرنسي غير المباشر للانفصاليين عن طريق ساحل العاج وبنين. وهو ما دفع "لاجوس" لاعتبار التكامل الاقتصادي في غرب إفريقيا سيساهم في تحقيق ذلك، خاصة بعد ما قامت باريس بتقديم الدعم المالي والفني لإقامة (CEAO) وإعلان القيادة الفرنسية أن الهدف من نشأة (CEAO) هو إيجاد حالة من التوازن في مواجهة الثقل النسبي لنيجيريا.

- إدراك القيادة النيجيرية محدودية احتياطات البترول بها؛ ومن ثم فإن نشأة مثل هذا التجمع سيساهم في إيجاد سوق لتصريف منتجاتها من ناحية، فضلا عن زيادة مواردها القومية من ناحية ثانية.

- محاولة إعادة الثقة في علاقتها مع الدول الفرانكفونية عامة، والدول المنافسة لها على الهيمنة في الإقليم وفي مقدمتها السنغال وساحل العاج خاصة، حيث ساهمت سياسة فرنسا الاستعمارية في ذلك. كما لعب موقع نيجيريا الجغرافي دورا مهما في هذا الشأن، فنيجيريا محاطة بدول فرانكفونية من جميع الجهات ‏(‏الكاميرون من الشرق والجنوب- النيجر من الشمال- بنين من الغرب) وهو ما يجعلها أكثر عرضة لتأثير القوى الاستعمارية السابقة (فرنسا). وقد ظهر ذلك بوضوح في أزمة إقليم بيافرا، حيث قامت بنين أوائل عام 1969م بالسماح للجنة الصليب الأحمر بالطيران عبر أراضيها من أجل تقديم الإغاثة إلى أهالي بيافرا.

كما أن جهود كل من السنغال وساحل العاج لإقامة تكتل اقتصادي يساهم في فتح أسواق جديدة أمام صناعتهم الوطنية من ناحية، ويواجه النفوذ النيجيري من ناحية ثانية، غير أنه لم يكن خافيا على القيادة النيجيرية التي بذلت جهودا دبلوماسية حثيثة في هذا الشأن خاصة بعد انتهاء أزمة إقليم بيافرا، ومن هذه الجهود قيامها بإرسال مندوبين لها إلى معظم دول غرب إفريقيا لنفس السبب، إلا أن الدول الفرانكفونية - تحديدا - رفضت الاقتراح باستثناء غينيا وتوغو، ولقد ترتب على ذلك أمران:

الأول: قيام كل من نيجيريا وتوغو بإقامة اتحاد بينهما في نفس العام؛ ليكون بمثابة نواة لوحدة اقتصادية شاملة تضم الدول الفرانكفونية والأنجلوفونية، وتجدد الإشارة إلى أن مساندة توغو لنيجيريا في دعوتها لقيام الإيكواس تجد تفسيرها في العلاقات الوطيدة بين البلدين منذ الاستقلال، فنيجيريا قامت بحماية توغو من تدخل غانا في شئونها، كما قامت بتوفير الحماية لها في مواجهة كل من غانا وبنين فضلا عن اعتماد توجو على نيجيريا في الحصول على الدعم والمساندة بصفة عامة، الأمر الذي يكشف أثر الأبعاد السياسية في قيام المجموعة.

الثاني: قيام الدول الفرانكفونية في العام التالي مباشرة وبسبب الخوف من الهيمنة النيجيرية، بإنشاء الجماعة الاقتصادية لغرب إفريقيا(CEAO)‏.

لكن القيادة النيجيرية لم تيأس من الفكرة، وعملت في المقابل على استقطاب الدول الفرانكفونية الواحدة تلو الأخرى، مستغلة في ذلك الخلافات بين بعض هذه الدول؛ بعضها البعض من ناحية، والظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها هذه الدول من ناحية ثانية. ولقد ترتب على ذلك انضمام كل من (بنين - غينيا - النيجر) للفكرة، كما لم يجد الرئيس النيجيري صعوبة كذلك في إقناع موريتانيا الدولة العربية الوحيدة في الإقليم بها، علما أن موريتانيا أيضا كان لها مشكلات مع باقي أعضاءCEAO‎)‎)؛ بسبب وجود عملة مستقلة لها تختلف عن عملة باقي الدول الفرانكفونية.

أما أكثر الدول الفرانكفونية معارضة لإنشاء الجماعة فكانت (مالي - بوركينا فاسو - ساحل العاج السنغال)، ويلاحظ أن الأخيرتين كانتا من أكثر الدول معارضة؛ نظرا لتفوقهما الاقتصادي ووجود إطار بديل هو (CEAO)، فضلا عن الخوف من السيطرة النيجيرية الاقتصادية على هذا التجمع الجديد، إلا أن الطفرة البترولية التي حدثت في أعقاب حرب أكتوبر 1973م، وما نتج عنها من زيادة القوة الاستراتيجية لنيجيريا، فضلا عن بوادر الثقة في القيادة النيجيرية وعملية التكامل الاقتصادي التي دعت إليها، علاوة على المكاسب الاقتصادية المتوقعة من عملية التكامل، ساهمت في حمل الدولتين على الانضمام لهذا التجمع. ولم يختلف الحال كثيرا بالنسبة لمالي وبوركينا فاسو، خاصة وأنهما دولتان حبيستان، مرتبطتان اقتصاديا بصورة كبيرة بكل من السنغال، وساحل العاج، ومن هنا فقد أسفرت الجهود الدبلوماسية الدؤوبة لنيجيريا والتي بدأت بالاتحاد مع توغو عن تشكيل لجنة من الخبراء على مستوى الإقليم عام 1972م؛ لوضع المقترحات اللازمة لإتمام العملية التكاملية، وبعد مرور ثمانية عشر شهرا من أول اجتماع لهذه اللجنة، تم تحضير مسودة معاهدة الجماعة، وفي ديسمبر 1973م تم تبني المبادئ العامة لإنشائها في اجتماع عقده وزراء الإقليم في لومي (توغو)، وتلاه اجتماع في أكرا (عاصمة غانا) في فبراير 1974م، ثم في مونروفيا ‏(‏ليبيريا) في يناير 1975م. وقد انتهت هذه الاجتماعات بصياغة معاهدة إنشاء الجماعة والتي تم توقيعها في لاجوس (نيجيريا) 1975م.

 

المبادئ العامة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس):

تـرتبط الجماعـة الاقتصـادية لـدول غـرب أفريقيـا بمجموعـة مـن الأهـداف والمبـادئ التـي تحـدد علاقـة الـدول فيما بينها والمواطنين وكافة المؤسسات التابعة للمنظمة، كما تنص الاتفاقية المؤسسة للمنظمـة وكافـة الاتفاقيـات الأخرى على ضرورة التقيـد بهـذه المبـادئ والأهـداف الكبـرى، ولعـل أبـرز هـذه الأهـداف التـي تـم اعتمادهـا بشـكل نهائي تضمنتها المادة (03) من المعاهدة الحالية المعتمدة منذ سنة 1993م: 

أ- المساواة والترابط بين الدول الأعضاء.

ب- التضامن و الاكتفاء الذاتي و الجماعي. 

ت- التعاون بين الدول ومواءمة السياسات وتكامل البرامج. 

ث- عدم الاعتداء بين الدول الأعضاء.

ج- التسوية السلمية للنزاعات بين الدول الأعضاء والتعاون النشـط بـين الـدول المجـاورة وتعزيـز البيئـة السـلمية كشرط مسبق للتنمية الاقتصادية. 

ح- احترام وتعزيز وحماية حقوق الإنسان والشعوب وفقا لأحكام الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.

خ- صون السلام والأمن والاستقرار الإقليمي من خلال تعزيز وتقوية علاقات حسن الجوار. 

د- الشفافية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية والمشاركة الشعبية في التنمية. 

ذ- الاعتراف و احترام القواعد والمبادئ القانونية للجماعة.

ر- تعزيز وتوطيد نظام حكم ديمقراطـي فـي كـل دولـة عضـو علـى النحـو المنصـوص عليـه فـي إعـلان المبـادئ السياسية المعتمد في 6 يوليو 1991م في أبوجا.

ز- التوزيع العادل والمنصف لتكاليف وفوائد التعاون والتكامل الاقتصادي.

 

الإطار المؤسسي والأمني للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا واختصاصاته:

١- الهياكل المؤسسية:

وضعت اتفاقية لاجوس Lagos المؤسسة للإيكواس 1975م مجموعة من الهياكل والمؤسسات التي تقوم عليها المنظمة، ثم جاءت الاتفاقية المنقحة لعام 1993م لتضيف تعديلات عليها تمثلت فيما يلي:

- مجلس رؤساء الدول والحكومات: وهي الهيئة العليا لاتخاذ القرار داخل الجماعة، يعطي التوجيهات لكافة الأعضاء والمؤسسات داخلها، كما أنه المسؤول عن رقابة وتوجيه السكرتارية التنفيذية وعن تنفيذ القرارات والتوجيهات داخل المجموعة، يعقد اجتماع مرة سنويا على الأقل من أجل تحديد أسلوب عمل المجلس ومتابعة مشروعاته.

- مجلس الوزراء: نصت المادة السادسة من المعاهدة على أن المجلس يتكون من مندوبين اثنين عن كل دولة عضو، ومن مهامه إدارة عمليات الجماعة وإعطاء التوجيهات لكافة المؤسسات التابعة للجماعة ويجتمع المجلس مرتين سنويا كما يمكن له عقد جلسات استثنائية في حالة الضرورة.

- الأمانة التنفيذية: يرأسها أمين تنفيذي تعينه هيئة رؤساء الدول والحكومات لمدة أربعة سنوات، وبالتالي فهو مسؤول أمامها مسؤولية كاملة ويمكن أن تتم إقالته من الهيئة بناءاً على توصية مجلس الوزراء.

- برلمان غرب إفريقيا: يتكون من 120 عضو يتم انتخابهم لمدة خمس سنوات، مقره بالعاصمة النيجيرية أبوجا.

- محكمة العدل: مهمتها الفصل في المنازعات المتعلقة بتفسير بنود الاتفاقية التي قد تنشب بين الدول الأعضاء وذلك بطريقة ودية وبالاتفاق المباشر بين المتنازعين، يعين قضاة المحكمة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد.

- المجلس الاقتصادي والاجتماعي: له دور استشاري ويتكون من الشرائح المختلفة في النشاطات الاقتصادية والاجتماعية.

- صندوق التعاون والتعويض والتنمية: مقره في "لومي" ويعمل على تمويل مشروعات الدول الأعضاء وتعويض الدول التي خسرت موارد بسبب تخفيض الرسوم كنتيجة لتحرير التجارة البينية، ويتم انتخاب رئيس مجلس الإدارة لهذا الصندوق مرة كل أربعة أعوام.

- اللجان الفنية والمتخصصة: تضم عدة ممثلين عن كل دولة عضو بناءاً على ترشيحات دولهم، تجتمع مرات عديدة لوضع التقارير لرفعها للسكرتارية التنفيذية وتعمل كذلك على تنفيذ إجراءات التكامل بين الدول الأعضاء في كافة المجالات، وتتمثل هذه اللجان في: لجنة محافظي المصارف لدول غرب إفريقيا، لجنة التمويل والإدارة، مجموعة العمل الحكومية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، لجنة الزراعة والموارد الطبيعية، لجنة شؤون النقل والمواصلات والطاقة، لجنة الصحة لغرب إفريقيا ولجنة الشؤون الثقافية والإفريقية.

٢- الهياكل الأمنية:

أما فيما يخص أبرز الهياكل الأمنية التي اعتمدتها المنظمة نتيجة وجود التهديدات الأمنية في المنطقة، فقد بدأ التفكير في إقامة نظام دفاعي للجماعة في إطار بروتوكول محدد وتم التوصل لذلك سنة 1978م عبر بروتوكول يقضي بعدم الاعتداء بين الدول الأعضاء، وقد حدد الميثاق أنواع النزاعات والصراعات كالآتي:

أ- نزاع داخلي يقع داخل الدولة العضو، كالنزاع في ليبيريا، سيراليون ومالي.

ب- نزاع خارجي بين دولة عضو ودولة أخرى خارج نطاق المنظمة، كالنزاع بين نيجيريا والكاميرون حول جزر باكاس.

ت- نزاع خارجي بين دولتين عضو أو أكثر في المنظمة، كالنزاع بين ليبيريا وغينيا وسيراليون.

وفي عام 1980م تم الإعلان عن تأسيس الميثاق الدفاعي للإيكواس، ثم إعلان المبدأ الصادر عام 1991م حول الدفاع وحفظ السلام وإلحاقه ببروتوكول حول مبادئ الديمقراطية وحكم القانون، وتم تأسيس ما يعرف بقوات "الإيكوموج"  ECOMOGكفريق رصد تابع للإيكواس ونظام الإنذار المبكر ECOWARN من أجل التدخل في الصراعات وتسويتها، وتمثل هذه الآليات والبروتوكولات إطار شامل لمواجهة التهديدات الجديدة التي تمس السلام بالمنطقة.

 

الانجازات التي حققتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس):

١- رؤية الإيكواس 2020 Vision Ecowas:

انطلاقا مما جاء في وثيقة ميلاد الجماعة في 1975م، ثم ما تم عليه التأكيد من أهداف ضمن الوثيقة المعدلة عام 1993م، والمفضية أساسا إلى السعي لتوحيد دول وسياسات المنطقة، ولتحقيق هذا الهدف، اعتمدت الهيئة قرارا مهما في جوان 2007م، تمحور حول رؤية الجماعة التحويلية عام 2020م. و التي تهدف إلى تحديد اتجاه واضح للرفع في مستوى المعيشة لشعوب المنطقة من خلال برامج واعية وشاملة وضمان مستقبل مشرق لغرب إفريقيا سعيا نحو توحيد شعوب غرب إفريقيا. فقد اعتمدت هذه الرؤية على تحويل الجماعة إلى فضاء اقتصادي واحد يضمن لشعبها ممارسة الأعمال والعيش بكرامة وسلام في ظل سيادة القانون والحكم الرشيد، وهذا يعكس تطلعات قادة المنطقة لجعل الناس محور وثيقة رؤية الجماعة 2020م، والعمل معا لتحقيق التطلعات التنموية للشعوب لغرض تحقيق الإنصاف و العدل، وعلى نطاق واسع وأشمل...تحقيق النمو والتنمية المستدامة والقضاء على الفقر.

٢- الانجازات:

تمثلت انجازات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا منذ نشأتها عام 1975م و إلى غاية اليوم، فيما يلي:

- الميدان الاقتصادي والتنموي:

أ- حققت خلال العشرية الأخيرة ضمان حرية انتقال الأشخاص، مع إلغاء التأشيرة بين بلدان المنطقة.

ب- إتاحة الحق في الإقامة و الاستقرار للمواطنين و ذلك وفقا لبروتوكول اتفاق بين الدول.

ت- تم إنشاء اتحاد اقتصادي و نقدي و هذا من أجل توحيد العملة عام 2020م. 

ث- وضعت سياسة التجارة الإقليمية على غرار زيادة الصادرات إلى دول الأعضاء و خارج الإقليم، و بالنسبة للواردات الإقليمية يهيمن عليها عشرة منتجات، حيث يحتل الوقود المكانة الأولى و ذلك بنسبة 24 بالمائة من إجمالي الواردات. ثم السيارات و الجرارات و الدراجات ثم الآلات و الأجهزة الميكانيكية، ثم بعد ذلك الأجهزة الكهربائية، ثم الحبوب و البلاستيك. أما بالنسبة للصادرات فنيجيريا تحتل مركزا مهيمنا إذ تسيطر على 41 بالمائة من المعاملات ثم 18 بالمائة لغانا و 10 بالمائة لكل من السنغال و كوت ديفوار.

كما تغطي نيجيريا و غانا معا أداء 59 بالمائة من واردات المجموعة مقابل 63 لثمانية بلدان من الاتحاد الاقتصادي و النقدي لغرب إفريقيا و 5 دول فقط تساهم ب 5 بالمائة من واردات المجموعة.

ج- اعتمدت دول المجموعة البرنامج الإقليمي لتسهيل حركة النقل و تحسين الإجراءات الجمركية، مع بناء شبكة من الطرق السريعة، حيث تمتد من لاغوس الى نواكشط و من داكار إلى نجامينا بطول 1000 كلم. إضافة إلى ربطها بشبكة السكك الحديدية مع ضرورة تحسين مجال النقل الجوي.

ح- أما في مجالات الاتصالات فقد تم اعتماد نص وزاري في 02/10/2003م و المكون من ثلاث نصوص أساسية:

المعاملات الالكترونية، آليات حماية البيانات الشخصية و مكافحة الجرائم الالكترونية.

خ- إنشاء وحدة منظمي الاتصالات السلكية و اللاسلكية )تجمع واتارا( كما تم تمديد خط الغاز للغرب الإفريقي و ذلك بإطلاق مشروع مد الغاز النيجيري إلى كل من بينين، التوغو و غانا، حيث استثمرت فيه كبرى الشركات في المنطقة حيث بلغ طول الخط حوالي 600 كلم بتكلفة قدرت ب610  مليون دولار. وتم إنشاء مجمع للطاقة لغرب إفريقيا.

د- اعتمدت المجموعة سياسة زراعية مشتركة و التي تقتضي باستحداث نظام معلوماتي خاص بالتنمية الزراعية، و إنشاء سوق إقليمية للسلع الزراعية، إضافة إلى برامج لحماية البيئة و التعليم و الصحة.

- الميدان الأمني:

اهتمت الإيكواس بالجانب الأمني لدور الاستقرار السياسي و الأمني في التنمية الاقتصادية، فبدأ التفكير في إقامة نظام دفاعي للجماعة في إطار بروتوكول محدد، و تم التوصل إلى ذلك منذ 1978م، و في بروتوكول آخر يقضي بعدم الاعتداء بين دول الأعضاء، و قد عبر الرئيس السنغالي "عبدو ضيوف" في القمة الرابعة المنعقدة في داكار في 28 ماي1979م بقوله:

" لسنا بحاجة إلى توضيح حقيقة أنه لا يمكن أن تتحقق تنمية في مناخ عدم الاستقرار، و إذا كان الأمر كذلك فإن علينا  –فيما بيننا-  أن نؤسس ميثاق للتضامن بين دول غرب إفريقيا لحماية أنفسنا ضد العدوان الخارجي".

و في عام1980م تم الإعلان عن تأسيس الميثاق الدفاعي للإيكواس ليكون أول نموذج للأمن الجماعي الإفريقي في إطاره الإقليمي.

أما في عام 1991م تم إعلان المبادئ حول الدفاع و التوسط و حفظ السلام، و إقرار مبادئ الديمقراطية و حكم القانون.

و في عام 1990م سعت المؤسسة العسكرية بنيجيريا بقيادة "بابا نجيدا" لدعم موقفها، فدفعت الاتفاق الإقليمي لحفظ السلام أو مجموعة مراقبة السلام داخل دول الإيكواس و عرفت بقوات "الإيكوموج"، حيث بدأت تدخلها العسكري لحل النزاع في ليبيريا  عام 1990م، ثم انتقلت إلى سيراليون سنة 1997م.  

و يعد ذلك خطوة هامة في إطار ترسيخ مفهوم الأمن الإقليمي في إطاره الاقتصادي العسكري. فقد تم عقد اجتماع غير عادي برؤساء الإيكواس في ديسمبر1997م في لومي لدراسة مستقبل الأمن في المنطقة، حيث تم التوصل إلى ضرورة إنشاء آلية لمنع و إدارة و تسوية الصراعات و تحقيق الأمن، و تم إقرارها في ابوجا في أوت 1988م بشكل نهائي، و لتدخل حيز التنفيذ في ديسمبر 1999م أما أهم المبادئ التي أقرتها فتمثلت في:

- أن التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و امن الشعوب و الدول قضايا متلازمة و لا يمكن الفصل بينهما.

- تعزيز و تقوية حرية حركة الأفراد و حق الإقامة، و الذي يساهم في تحسين علاقات حسن الجوار.

- حماية حقوق الإنسان والمساواة و السيادة بين الدول.

- المحافظة على السيادة الإقليمية و الاستقلال السياس ي للدول الأعضاء. و في جانفي 2002م بدأت المجموعة بتنفيذ نظام الإنذار المبكر الأمني، باعتباره الجانب العملي لبروتوكول الإيكواس الخاص بإنشاء آلية منع الصراعات و إدارتها.

- على الصعيد التنفيذي:

بذلت إيكواس جهودا حثيثة في سبيل تحقيقِ السلم والأمنِ والاستقرار ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في إقليمها و من أبرز حالات التدخل نجد:

أ- ليبيريا: حيث اندلعت حرب أهلية بين فرقاء سياسيين عام 1989م، وفى مواجهتها بذلت إيكواس مساع دبلوماسية غير أنها قد أخفقت وحدها في تسوية الصراع، فاضطرت بذلك إيكواس إلى التدخل العسكري، الأمر الذي أسهم بدور لا بأس بهِ في التوصل إلى تسوية سياسية في نهاية المطاف.

ب- سيراليون: حيث اندلعت حرب أهلية عام 1991م، وعلى غرار حالة ليبيريا بذلت إيكواس مساع دبلوماسية لم تجد إلى تسوية الصراعِ سبيلا، فاضطرت إيكواس إلى التدخل العسكري أيضا. وقد أدت هذه الجهود إلى التوصل إلى تسوية سياسية لكنها سرعان ما انتكست، فواصلت إيكواس جهودها الدبلوماسية إلى أن تم التوصل إلى تسوية سياسية في نهاية المطاف.

ت- غينيا بيساو: حيث اندلع صراع مسلح بين فرقاء سياسيين على إثرِه تدخلت إيكواس لتسويته غير أن جهودها الدبلوماسية هذه المرة طغت على جهودها العسكري، فكان تدخلها العسكري محدودا للغاية ما أسهم ضمن عوامل أخرى في إطالة أمد الصراع الذي انتهى في نهايةِ المطاف بموجب تسوية سياسية.

ث- كوت ديفوار: بدأ الصراع عام 2003م، وتحول في بعض مراحله إلى صراع مسلح، وقد تعاطت إيكواس مع هذه الحالة بالوسائل الدبلوماسية بدرجة يمكن القول معها بأنها لم تتدخل عسكريا إلا بدور محدود للغاية ومحدود التأثير أيضا، وقد أدى ذلك ضمن أسباب أخرى إلى طول أمد الصراع، غير أنه انتهى إلى تسوية سياسية في النهاية.

ج- مالي: تجمع مالي بين حالة الصراع المسلح وحالة التنظيمات الإرهابية، حيث تشهد مالي صراعا مزمنا بين الشمال والجنوب وصل في عدة مرات إلى الصراع المسلح، وفي عام 2012م تداخلت التنظيمات النشطة في غرب إفريقيا آنذاك في الصراع السياسي ليتخذ بعدا أيديولوجيا، ما يمثل تهديدا لا لمالي فحسب إنما للإقليم ككل؛ فبادرت إيكواس إلى التدخل في الصراع وبدأت كالعادة بالطرق السلمية التي لم تُجد نفعا، بحيث تطور الصراع بسرعة ألجأت فرنسا إلى التدخل عسكريا غير أنها لم تحرز تقدما، فبادرت إيكواس بالتدخل العسكري جنبا إلى جنب مع فرنسا، وفي الأخير تمت التسوية السياسية بتوقيع اتفاق سلام برعاية جزائرية بين أطراف النزاع، وفي أغسطس 2020م، وقع انقلاب عسكري جديد في مالي تعاطت معه إيكواس بالطرق السلمية.

ح- مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة: على الرغم من الجهود الكبيرةِ التي تبذلها إيكواس في مجال هاتين الفئتين من مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، إلا أن التحديات الأمنية لا تزالان تمثلان تهديدا كبيرا للسلم والأمن والاستقرار داخل كل دول الإقليم.

 

التحديات التي تواجه المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس):

نظرا للتجاذبات التي تعرفها منطقة غرب إفريقيا فإن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا تقف أمام جملة من التحديات الداخلية والخارجية، والتي نستعرضها بإيجاز فيما يلي:

١- التحديات الداخلية:

أ- التحديات والتهديدات الأمنية: تعد التحديات والتهديدات الأمنية من أكبر العوائق التي تقف حجرة عثرة في سبيل تحقيق التكامل والتنمية المستدامة في غرب إفريقيا، ومن أبرز هذه التحديات و التهديدات:

- الصراعات المسلحة: تعد من أبرز سمات البيئة السياسية و الاجتماعية الإفريقية و دول غرب إفريقيا بصفة خاصة، وهي لا تنتهي، فلا يكاد يخبو صراع مسلح إلا ويتجدد آخر، بحيث يعد الوصول إلى السلطة و الاحتفاظ بها من أجل الوصول والحصول على الثروة و تأمينها أول و أكثر الأسباب التي تؤدي إلى اندلاع و تأجيج الصراعات والنزاعات في هذا الإقليم. كما يعد أيضا التحدي الأمني و التهديد الأكبر الذي يعيق تحقيق المنظمة لأهدافها.

- الجريمة المنظمة: أصبحت هي الأخرى مصدر قلق كبير بالنسبة لدول المنطقة، و ذلك راجع إلى ضعف الدولة و ضعف سيطرتها على المناطق الحدودية هذا من ناحية، و من ناحية أخرى انشغالها في قتال التنظيمات الإرهابية و في تسوية الصراعات المسلحة، تجارة المخدرات، البشر، والمهاجرين، تجارة والوقود و الأسلحة....).

- التنظيمات الإرهابية: لن تجد التنظيمات المتطرفة بيئة مواتية للانتشار و لممارسة أنشطتها الإرهابية و الإجرامية أفضل من إقليم غرب إفريقيا، حيث تنشط عدة تنظيمات إرهابية منها "بوكو حرام" المرتبط بالقاعدة، وجود داعش في الصحراء الكبرى، تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، حركة التوحيد و الجهاد، تنظيم المرابطون، جماعة نصرة الإسلام و المسلمين، و قد هددت أنشطة هذه التنظيمات السلم و الأمن في الإقليم، وقوضت الجهود التنموية للإيكواس.

ب-التحديات السياسية: تسهم هذه التحيات شأنها شأن التحديات الأمنية في تقويض جهود المجموعة الاقتصادية في تحقيق التنمية و الأمن وكذا الاستقرار، و من أهم هذه التحديات نجد:

- عدم الاستقرار السياسي: حيث يعد السمة البارزة و الغالبة في منطقة غرب إفريقيا، و من أبرز مظاهر أو ملامح عدم الاستقرار السياسي هي:

- تأبيد السلطة: أو ما يصطلح عليه عدم التداول على السلطة و هي من أكثر المظاهر انتشار في إفريقيا و إقليم غرب إفريقيا بشكل خاص و من أمثلة ذلك نجد ( "بليز كومباروي" رئيس بوركينافاسو موجود في السلطة منذ 1987م و حتى 2014م، رئيس كوت ديفوار "فليكيس أوفوي بواني" من 1960م-1993م...).

- العنف السياسي: حيث لا يزال من أبرز سمات البيئة الإفريقية بحيث تعد الانتخابات من أكثر العمليات السياسية التي تشهد العنف والقمع من خلال ترويع المرشحين و الناخبين.

- الانقلابات العسكرية: حيث تقل أحيانا و تكثر أحيانا أخرى إلا أنها لا تنقطع عن الواقع السياسي الإفريقي، فمنذ الاستقلال وحتى عام 2014م وصل عدد الانقلابات إلى 215 محاولة انقلابية (انقلاب مالي 2012م على الرئيس أمادو توماني توري و 2020م على الرئيس الانتقالي باه ندوا، الانقلاب الأخير في غينيا مع محاولة الاستيلاء على السلطة واعتقال الرئيس الغاني ألفا كوندي... ).

- اللاجئون والنازحون: حتى منتصف عام 2020م تم إحصاء أكثر من 34 مليون شخص محتاج للمساعدة في إفريقيا، و من أسباب التزايد الكبير في عدد اللاجئين والنازحين هي الصراعات المسلحة القمع و التهديد باستعماله، الجريمة المنظمة بكل أشكالها، الفقر و التصحر جفاف المراعي.... 

ت- التحديات الاقتصادية: رغم البروتوكولات التي تم توقيعها بصدد تسهيل التجارة البينية، و إلغاء التأشيرات و تسهيل الرقابة الجمركية بين الدول إلا أن هذه البنود لا زالت لم تجسد على أرض الواقع فالضرائب و التسعيرات الجمركية تعرف تباينا واضحا أثناء المبادلات التجارية بين الدول، فمثلا المعاملات التجارية بين غانا ونيجيريا تختلف عن نظيرتها مع البينين أو التوغو.

أما ما يخص دفع المساهمات في موازنة المجموعة، فمنذ نشأتها عام 1975م لم تقم سوى أربع دول بدفع حصتها بانتظام و هي نيجيريا و البنين التوغو و كوت ديفوار، كما استفادت المجموعة من دعم "اليونيدو" في إطار برنامج ضمان النوعية في غرب إفريقيا الذي يموله الاتحاد الأوروبي بقيمة 12 مليون يورو، حيث ساعد هذا البرنامج عن إنشاء بنية تحتية فعالة و منسقة في مجال النوعية لفائدة الإيكواس. 

ورغم التقدم الذي أحرزته المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا على صعيد النمو الاقتصادي و الحد من الفقر، فإن المنطقة تواجه تحديات جسيمة تعزى بالأساس إلى المخاطر الأمنية المرتبطة تحديدا بالمنطقة تجارة المخدرات والإرهاب.

تسعى دول إيكواس إلى التخلص من القيود الفرنسية المفروضة على عملتها، والعملة الموحدة، إلا أن هناك عقبات عديدة قد تعرقل سريان العملة، وتأتي المخاوف من السياسات النقدية المرتبطة بعملة "ايكو" في صدارة المشهد، كما يمثل الناتج المحلي الإجمالي لنيجيريا قرابة ثلثي الناتج المحلي لدول الإيكواس. 

٢- التحديات الخارجية:

أ- التواجد الأمريكي: تؤكد التوقعات الرسمية الأمريكية أن تستمد الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 20 بالمائة من النفط من إفريقيا خلال العقد المقبل. كما ستوفر دول غرب إفريقيا 15 بالمائة منها، و تشير إحصائيات الدائرة الأمريكية لشؤون النفط والطاقة لرفع نسبة استيرادها لهذه المادة الى 50 بالمائة خلال عام 2015م.

و يعود الإهتمام الأمريكي بغرب إفريقيا إلى عام 2000م وذلك من خلال تقديم مساعدات بقيمة 200 مليون دولار لمكافحة مرض الإيدز، كما تسعى أمريكا إلى تنويع مصادر الطاقة و إيجاد أسواق جديدة للمنتجات الأمريكية، ومحاصرة النفوذ الأوروبي، إضافة إلى محاولة إيجاد موطئ قدم لبناء قواعد عسكرية للطائرات الأمريكية )اغاديز في النيجر(.

ب- النفوذ الفرنسي في المنطقة: رغم تصفية الاستعمار خلال المنتصف الثاني للقرن 20 إلا أن فرنسا ما تزال تحتفظ بوجودها و نفوذها العسكري في مستعمراتها القديمة عن طريق عقد اتفاقيات تمكنها من البقاء كشريك مميز، هذا و تعمل فرنسا جاهدة على مد نفوذها الفرانكفوني ليصبح تيارا منافسا للتيار الأنجلوساكسوني الأمريكي خاصة في وسط إفريقيا، معتمدة على الدعم الاقتصادي و الثقافي لمختلف هذه الدول.

ت- التواجد الصيني في منطقة غرب إفريقيا: وفقا لمراكز الفكر الأمريكي و التي توصلت إلى أن الصين قد تفوقت على الولايات المتحدة الأمريكية في الانتشار في هذه المنطقة في عدة جوانب منها الجانب الاقتصادي و السياسي من خلال:

- في رقعة و مساحة الانتشار في إفريقيا تتواجد الصين في أكثر من 35 دولة افريقية.

- الاستثمارات الصينية في إفريقيا تجاوزت الاستثمارات الصينية حوالي 60 مليار دولار بينما الأمريكية تشكل 15 إلى 20 بالمائة وتتركز في الجزائر و خليج غينيا.

- الصين تركز تواجدها في تعزيز الثروة - التنقيب عن النفط- الإنتاج في السودان، انغولا و تشاد و في غرب إفريقيا.

- التبادل التجاري فيتمثل في تصدير السلع و المنتجات الصينية رخيصة الثمن و استيراد المواد الخام و الطاقة.

التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا تتواجد إسرائيل في كل من ليبيريا، السنغال وغانا و نيجيريا كوت ديفوار و غينيا والنيجر و تنزانيا وتشاد و الكونغو الديمقراطية و الغابون و السودان......و كان لحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" خلال قمة جوان 2017م، إلا تأكيدا على تعزيز العلاقات الإفريقية الإسرائيلية بصفة عامة و مع دول الإيكواس بشكل خاصة، مع ضرورة التعاون على مكافحة الإرهاب في منطقة غرب إفريقيا.

 

وفي ختام ما عرضناه في مقالنا نستنتج بأن:

- تشـكل المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا إحـدى الجماعـات الاقتصادية الثمـان المعتـرف بهـا مـن قبـل الاتحاد الإفريقي، كما تعتبر منظمـة إقليميـة فرعيـة يحكمهـا الفصـل الثامـن مـن ميثـاق الأمم المتحـدة.

- رغم نشأت المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا في بؤرة غير مستقرة تتعرض للعديد من النزاعات الداخلية والخارجية، إلا أنها قد سعت جاهدة لاحتواء أزمات المنطقة ضمن رؤية للتكامل الإقليمي في المنطقة تهدف إلى الحفاظ على العيش الكريم لمواطنيها في ظل الأمن والاستقرار.

- لا زالت إيكواس تواجه العديد من التحديات في سبيل تحقيق أهدافها، خاصة في إطار رؤيتها لعام 2020م التي تهدف إلى توحيد شعوب المنطقة وضمان حرية التنقل والتقدم نحو التطور والازدهار.

- نتيجة للأزمات و الصراعات المتكررة في المنطقة اتخذت إيكواس هدفا و اتجاها إضافياً لمبادئها بحيث اتجهت من مسؤولية تحقيق التطور و التكامل الاقتصادي لدول المنطقة إلى مسؤولية تحقيق الأمن الإقليمي وحل صراعات و أزمات المنطقة.

 

 

المصادر والمراجع:

بدر حسن شافعي، تسوية الصراعات في إفريقيا )نموذج إيكواس(، ط 1، دار النشر للجامعات، القاهرة، 2009م

أ.د. قوي بوحنية، محمود نتاري، الإيكواس .. ما بين الهواجس الأمنية .. ورهان التنمية الاقتصادية، دفاتر السياسة و القانون، العدد 18، جانفي 2018م

أمينة بوبصلة، دور الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في تحقيق التنمية، الأمن والاستقرار في إفريقيا، مجلة السياسة العالمية، المجلد 6، العدد 1، 05/06/2022م

أنس صقر أبو فخر، دور الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ECOWAS في حل وتسوية النزاعات في إقليمها، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية، مجلد 12، العدد 1، يونيو 2015م

محمد الشريف شيباني، دور منظمة الإيكواس في تسوية النزاعات غرب إفريقيا: دراسة في  الآليات والإنجازات، مجلة مدارات سياسية، المجلد 05، العدد 01، 07/06/2021

نسرين سالم، شهرزاد أدمام، الاستراتيجية الأمنية للإيكواس في تسوية النزاعات: دراسة في التسوية السياسية والعسكرية للنزاع في مالي، مجـلة أبـحاث قانـونية وسيـاسية، المجلد 05 ، العدد 01، سبتمبر، 30/09/2020م

 

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia